الاثنين، 3 يونيو 2024

الفكرة والتمويل وجدلية البيضة والدجاجة

 

        أصبح القطاع غير الربحي يلعب دورًا محوريًا في تحقيق التنمية المستدامة، والمساهمة في تقديم الحلول لكثير من المشكلات، إلا أن التحدي الأكبر الذي يواجه هذا القطاع هو كيفية تحقيق التمويل الكافي لاستمرارية الأنشطة والمشاريع، ومن هنا تبرز أهمية الأفكار الجيدة كمفتاح لجلب المال والتمويل اللازم، ويظهر أمامنا سؤال: هل المال يأتي بالبرامج والمشاريع، أم أن المشاريع هي التي تأتي بالمال والدعم؟ وللإجابة على هذا السؤال المهم والمتداول والذي يؤرق كثير من أبناء القطاع غير الربحي، إليكم هذه الوقفات العجلى:

أولاً: قوة الفكرة الجيدة.

        يقول معالي  د. صالح الحصين رحمه الله: الفكرة الجيدة تجذب المال" وصدق رحمه الله، فالأفكار الجيدة من أهم العوامل التي تجذب التمويل، فهي تتميز بقدرتها على إحداث تأثير إيجابي وجذب الانتباه والدعم من مختلف الجهات، فعندما تكون الفكرة مبتكرة وواقعية وتستجيب لحاجات المجتمع بطرق فعالة، فستحظى بفرصة أكبر للحصول على التمويل، فالأفكار الجيدة ليست فقط قادرة على حل المشكلات، بل هي قادرة أيضًا على إلهام الآخرين للانضمام والمساهمة.

ثانياً: البداية بالمشاريع الصغيرة.

        يمكن للمنظمات غير الربحية أن تبدأ بمشاريع صغيرة لا تتطلب تكاليف كبيرة، ولكن بجودة عالية، فهذه المشاريع يمكن أن تكون نواة لجذب التمويل المستقبلي من خلال إظهار القدرة على التنفيذ والابتكار، كما أن المشاريع الصغيرة تتيح الفرصة لتجربة الأفكار وتطويرها دون تحمل مخاطر مالية كبيرة، ومن خلال النجاح في هذه المشاريع، يمكن بناء سمعة جيدة واكتساب ثقة الممولين والشركاء المحتملين.

ثالثاً: بذل الوسع فيما تستطيع.

من جميل ما سمعت قول أحد الخبراء: "من بذل وسعه فيما يستطيع، أعطاه الله ما لا يستطيع" هذه المقولة تعكس حقيقة مهمة في العمل غير الربحي، فعندما تبذل المنظمة وسعها في تنفيذ المشاريع الممكنة باستخدام الموارد المتاحة، فإنها تفتح أبواب الفرص لتحقيق ما كان يبدو مستحيلاً، وهذا النهج يعزز روح الابتكار والإبداع، ويشجع على الاستفادة القصوى من الإمكانيات المتاحة لتحقيق الأهداف المرجوة، وهنا تحضرني تجربة قديمة أجريتها مع إحدى الجهات الناشئة التي كانت تشتكي من ضعف التمويل، فسألتهم هل كل برامجكم تحتاج لتمويل؟، وللإجابة على هذا السؤال عقدنا ورشة عمل لمعرفة البرامج التي لا تكلف ريالاً واحداً، فخرجنا بعدة برامج نافعة يمكن للفريق التنفيذي القيام بها، فكان الاتفاق أن ننفذ ما نستطيع تنفيذه حالياً ونسعى لتمويل غيرها.

رابعاً: التركيز على الممكن والموجود.

        يجب على المنظمات غير الربحية أن تركز على استغلال الموارد المتاحة وتحقيق أقصى استفادة منها، فبدلاً من التركيز على ما هو غير موجود أو ما هو مستحيل التحقيق من الكوادر والموارد، يمكن توجيه الجهود نحو تعزيز القدرات المتاحة وتطوير الحلول الواقعية، فهذا النهج يساهم في تحقيق نتائج ملموسة ويعزز الثقة بين الممولين والجهات الداعمة.

وأخيراً:

إن الأفكار الجيدة ليست فقط أساسًا لجذب التمويل، بل هي أيضًا محرك للتغيير والإبداع في القطاع غير الربحي، فمن خلال البدء بمشاريع صغيرة وتنفيذها بجودة عالية، يمكن للمنظمات غير الربحية أن تثبت قدرتها على الابتكار وتحقيق الأهداف، وبذل الوسع فيما تستطيع والتركيز على الممكن والموجود، ومن خلال ذلك يمكن تحقيق إنجازات عظيمة وتجاوز التحديات المالية، فالنجاح يبدأ بفكرة جيدة، ومع الجهد يصبح المستحيل ممكنًا.

يقول الله سبحانه وتعالى: " وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ" [سورة العنكبوت (69)] فمن بذل وسعه، مخلصاً في مقصده، متقناً محسناً لعمله، هُدي إلى رشده، وكان الله معه هادياً ومعيناً.

 

 

د. سعد بن دبيجان الشمري

26/11/1445ه

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق